سورة الجاثية - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الجاثية)


        


{حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)} [الجاثية: 45/ 1- 6].
افتتحت السورة (الجاثية) المكية بالاتفاق بالحروف المقطّعة، للتنبيه لما يأتي بعدها، ولتحدي العرب بالإتيان بمثل آيات القرآن، ثم أخبر اللّه تعالى: بأن هذا القرآن تنزيل قاطع من اللّه القوي الغالب الذي لا يقهر، المحكم للأشياء. فقوله تعالى: {الْعَزِيزِ} معناه عام في شدة أخذه إذا انتقم، ودفاعه إذا حمى ونصر، وغير ذلك.
ومقتضيات العزة والحكمة: إن في خلق السماوات وخلق الأرض، لأدلة قاطعة على وجود اللّه، ووحدانيته، وقدرته الباهرة. وقد ذكر تعالى الأدلة أو الآيات التي في السماوات والأرض مجملة غير مفصلة، فكأنها إحالة على غوامض تثيرها الأفكار، ويخبر الشرع بكثير منها، والذي يستفيد من دلالات هذه الآيات: هم المؤمنون، الذين يعتمدون على العقل الصحيح، والتصديق الواقعي. وهذا دليل من الكون.
ثم ذكر اللّه تعالى دليلا من الأنفس، ففي خلقكم أيها البشر من غير وجود سابق، سواء من تراب، أو من طريق التزاوج، وما ينشر في الأرض والبحر والجو من الدواب المختلفة: آيات دالة على وجود اللّه وتوحيده، لقوم يوقنون، لهم نظر صحيح، يؤديهم إلى اليقين في معتقداتهم، والاطمئنان في قلوبهم.
وكذلك في اختلاف الليل والنهار وتعاقبهما بالنور والظلام، وتفاوتهما في الطول والقصر، والحرارة والبرودة، والضياء والظلمة، وفيما أنزل اللّه من السحاب، من مطر يتسبب في رزق الأنفس وإحياء الأرض بالنبات والزرع، وفي تقليب الرياح وتغييرها من جهة إلى جهة، ومن حال إلى حال، جنوبا وشمالا، شرقا وغربا، برودة وحرا، ضررا ونفعا، لينا وشدة، في كل ذلك دلالات عظيمة على وجود اللّه سبحانه، ووحدانيته وقدرته التي ينتفع بها عادة أهل العقول الراجحة، ويتأمل بها ذوو الأفكار المتفحصون فيها وفي حقائقها. والرياح جمعا: هي المبشّرات بالخير، والريح بالمفرد: هي المنذرة بالعذاب.
والعبرة من كل ذلك أوجزها اللّه تعالى بقوله: {تِلْكَ آياتُ اللَّهِ} أي هذه الدلائل المذكورة من الآيات الكونية والقرآنية، هي حجج اللّه وبراهينه وبيناته، نتلوها عليك أيها النبي، متضمنة الحق المبين، وهذا على حذف مضاف، أي نتلو شأنها وتفسيرها وشرح العبرة بها. وقوله تعالى: { نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} معناه بالصدق والإعلام بحقائق الأمور في أنفسها، ليستفيد منها البشر قاطبة، فبأي بيان أو كلام يا أهل مكة وأمثالكم بعد بيان اللّه وكلامه، وتفصيل آياته، وهو القرآن الكريم، تؤمنون أو تصدقون؟! والتعبير بكلمة (تلك) إشارة إلى علو مرتبة الآيات، وفي هذا توبيخ وتقريع، وفيه قوة التهديد.
ويلاحظ أن أدلة إثبات وجود اللّه ووحدانيته، ذيلت فيها آي القرآن بعبارة {لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ} و{لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} و{لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} لإفادة التلازم بين الإيمان الذي هو التصديق، واليقين الذي هو كمال الاقتناع، والعقل الذي هو إعمال الفكر الصحيح، وهذه كلّها ضروريات للمعرفة وتكوين العقيدة، لأنه في ضمن الإيمان العقل، واليقين، والتصديق. ويتوقف الاعتقاد على كل من العقل، وتيقن الشيء، ثم التصديق التام به الذي لا يخالطه أي شبهة أو شك، ولا يصح إيمان من دون هذه الأمور الثلاثة، التي ينبغي استعمال كل منها في موضعه، فيبتدئ المفكر من العقل أو القلب الواعي، ثم ينتقل بالدليل القطعي إلى اليقين، ثم يتحقق التصديق النهائي بالمعتقد الصحيح.
وعيد المكذبين بآيات اللّه:
حينما لا تجدي الكلمة المخلصة، والموعظة البالغة، ويصرّ الإنسان على موقف الضلال والعناد، لا يبقى بعد ذلك إلا التهديد والوعيد بالجزاء الحاسم، وهكذا كانت توجيهات القرآن الكريم، مع المشركين المكيين وقت نزول الوحي، لم يترك القرآن وسيلة لتذكيرهم، وإقناعهم بالبراهين الحسية القاطعة على توحيد اللّه تعالى إلا سلكها معهم، ومع ذلك آثروا الشقاق والخلاف والمعارضة، والإبقاء على عقيدة الوثنية، وتكذيب الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم وبما أنزل عليه من الآيات البينات، فاستحقوا الوعيد بجزاء النار، علما بأنه لم تنفعهم أصنامهم شيئا، ولا منعت عنهم الضرر، وهذا ما نصت عليه الآيات الآتية، لبيان أن القرآن وحده هو الهدى والمنقذ:


{وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (9) مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (10) هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11)} [الجاثية: 45/ 7- 11].
الهلاك والعذاب. والمصائب من الحزن والشدة، لكل كذاب بآيات اللّه، كثير الإثم والمعاصي، لأنه يسمع آيات اللّه تتلى على مسامعه، وفيها الدلالة الواضحة على وحدانية اللّه وقدرته، ويبقى مصرّا على كفره، ويتكبر ويتعاظم عن الإيمان بالآيات، معجبا بنفسه، وكأنه لم يسمع الآيات، فهو في عدم الالتفات إليها، والإصغاء لمغزاها، يشبه حال غير السامع، فأخبره أيها النبي وبشّره بعذاب شديد مؤلم. والتعبير عن الخبر المحزن بالبشارة تهكم واحتقار. وقوله تعالى: {يُصِرُّ} أي يثبت على عقيدته من الكفر.
وسبب نزول هذه الآية: ما كان يفعله أبو جهل والنضر بن الحارث وغيرهما، من إصرار على الكفر وعناد. وتعم الآية كل من دخل تحت الأوصاف المذكورة إلى يوم القيامة.
والسبب الثاني لتعذيب أحد هؤلاء: أنه إذا علم هذا الأفاك الكذوب من آيات اللّه شيئا، أي أخبر بشيء منها، اتخذها مهزوءا بها، وموضعا للسخرية والتندر، أولئك الأفاكون، لهم عذاب مهين، أي مشتمل على المذلة والهوان والافتضاح.
وكلمة (أولئك) مشار بها إلى قوله {لِكُلِّ أَفَّاكٍ} لأنه اسم جنس، له الصفات المذكورة بعده.
وصفة ذلك العذاب: أن أمام أولئك الأفاكين جهنم يوم القيامة، أو أعقاب أفعالهم جهنم، ولا يدفع عنهم شيئا من العذاب ما كسبوا في الدنيا من الأولاد والأموال، كما قال اللّه تعالى في آية أخرى: {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً} [آل عمران: 3/ 10 و116] ولا ينفعهم أي نفع، ولا تفيدهم الأصنام التي اتخذوها آلهة، يعبدونها من دون اللّه، وأعوانا وأنصارا، يتوقعون منها النفع ودفع الضرر، ولهم عذاب شديد مؤلم في جهنم.
وقوله سبحانه {مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ} قال بعضهم: معناه: من أمامهم، والواقع لا داعي لهذا التأويل، فكلمة (وراء) في اللغة هي المفيدة لما يأتي خلف الإنسان، وما يأتي بعد الشيء في الزمان فهو وراءه، وجهنم وإحراقها للكفار: يأتي بعد كفرهم وأفعالهم. وقوله سبحانه: {وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ} يعني بذلك الأوثان.
والفرق بين قوله أولا: {لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ} ثم قوله: {وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ} أن الوصف الأول يدل على الإهانة مع العذاب، والوصف الثاني يدل على بلوغ العذاب أشده في كونه ضررا.
ثم وصف اللّه تعالى القرآن الكريم بأنه طريق النجاة المحققة، وأنه هاد إلى الحق، ومرشد إلى الصواب، وناقل الناس من الظلام إلى النور، والذين جحدوا بآيات ربهم في القرآن، سواء الآيات الكونية أو الشرعية، لهم أشد العذاب يوم القيامة. ووصف العذاب سابقا بوصف (أليم) و(مهين) و(عظيم) يؤدي إلى قوله تعالى: {عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ} أي عذاب من أشد أنواع العذاب وأكثرها إيلاما، لأن الرجز: أشد العذاب، وقوله تعالى: {هذا هُدىً} إشارة إلى القرآن، وأنه كامل في كونه هدى.
هذا التهديد والوعيد لكل أفاك أثيم، أي كذّاب كثير الآثام، مبالغ في اقترافها والإصرار عليها، يستدعي وقفة تبصر، وتأمل في المصير المشؤوم، سواء من الأفّاك نفسه، أو من كل سامع، ربما يتصف بهذه الصفات.
ويؤكد ذلك: أن الأفّاكين يتعرضون لخسارة محققة، فلا تفيدهم الأصنام التي عبدوها شيئا. ويجد المتأمل المتبصر القرآن أمامه هاديا إلى الخير، ومبعدا له عن الشر، وآخذا بيده نحو الطريق الأفضل، والسبيل الأقوم، فما على كل عاقل إلا أن يقبل على مائدة القرآن، ينهل منها ما يحقق له السعادة في الدنيا والآخرة.
من نعم اللّه تعالى:
لا تفتأ تمر لحظة في حياة الإنسان المؤمن وغير المؤمن إلا واللّه ينعم عليه بنعم كثيرة، في نفسه وأفعاله وتحركاته، وأنشطته الاقتصادية والاجتماعية، وكلاءة هذه النعم ليقوم الدليل الدائم على وجود اللّه تعالى وفضله وتوحيده، وأنه الإله المعبود بحق، وفي ذلك مدعاة التأمل والتفكر، وضرورة التفويض لله تعالى في شأن عباده، والسمو عن التعصب ونظرة الحقد، ومعاملة الآخرين غير المؤمنين بالسماحة والعفو، والجزاء ينتظر الجميع: إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، قال اللّه تعالى مقرّرا هذه الأصول:


{اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (14) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15)} [الجاثية: 45/ 12- 15].
هذه باقة مزدهرة من أفضال اللّه ونعمه العديدة وهي:
- أن اللّه تعالى هو الذي ذلّل لكم البحر لجريان السفن فيه بإذنه وتيسيره، وللاتّجار والتّكسّب بين الأقطار، وللصيد، ولاستخراج الدّر واللؤلؤ والمرجان وغيرها من أعماق البحار، وللسفر للحج والجهاد وغيرهما، وليكون ذلك موجبا للشكر على هذه النّعم بسبب هذا التسخير والتيسير، وتحقيق المنافع لبني آدم.
وهذه آية عبرة في جريان السفن في البحر، لأن اللّه تعالى سخّر هذا المخلوق العظيم لهذا المخلوق الضعيف. وقوله {بِأَمْرِهِ} أناب القدرة والإذن مناب أن يأمر البحر والناس بذلك. والابتغاء من فضل اللّه تعالى: هو بالتجارة في الأغلب.
وتسخير البحر بثلاثة أشياء: توفير الرياح المساعدة على سير السفن، أو التمكين من اختراع الطاقة الكهربائية والذّرية والفحم وغير ذلك، وقدرة تحمّل الماء لمئات الأطنان والآلاف، التي قد تزيد حمولة السفينة فيها على نصف مليون طن، وإبقاء الخشب والحديد طافيا على وجه الماء دون إغراق.
- وذلّل لكم أيضا جميع ما في السماوات من شمس وقمر، وكواكب ونجوم، ومجرّات ورياح، وملائكة وغيرها، وجميع ما في الأرض، من جبال وبحار وأنهار، ورياح وأمطار، ومنافع أخرى، فضلا منه ورحمة، إن في ذلك التسخير لدلالات واضحات على قدرة اللّه عزّ وجلّ وتوحيده وفضله، لقوم يتفكرون فيها، ويستدلّون بها على التوحيد.
وقوله: {جَمِيعاً مِنْهُ} قال ابن عباس: كل إنعام فهو من اللّه تعالى. لذا أمر اللّه بمحاسن الأخلاق، فقل أيها النّبي للمؤمنين أتباعك بأن يعفوا ويصفحوا عن مؤذيات المشركين الذين لا يتوقعون عذاب اللّه ونعيمه، لعدم إيمانهم بالبعث، ليجزي اللّه أولئك المؤمنين، بما كسبوا في الدنيا من الأعمال الحسنة، التي منها الصبر على أذى الكافرين.
نزلت هذه الآية في صدر الإسلام، أمر اللّه تعالى المؤمنين فيها أن يتجاوزوا عن الكفار، وألا يعاقبوهم بذنب، بل يأخذون أنفسهم بالصبر عليهم والمصابرة لهم.
والآية تتضمن الغفران عموما.
قال ابن عباس رضي اللّه عنهما: لما أنزلت {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} [البقرة: 2/ 245]. قال فنحاص اليهودي: احتاج ربّ محمد، تعالى اللّه عزّ وجلّ عن قوله، فأخذ عمر رضي اللّه عنه سيفه، ومرّ ليقتله، فردّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقال له: إن ربّك يقول: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ...}.
وأيام اللّه معناه: أيام إنعامه ونصره ونعيمه في الجنة وغير ذلك. ويرجون: بمنزلة (يخافون).
وقوله: {لِيَجْزِيَ} وعيد للكافرين.
ومضمون الآية: أن اللّه تعالى يجزي قوما بكسبهم، ويعاقبهم على ذنوبهم وإجرامهم، وأكّد ذلك بقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ} أي إن كل عمل صالح يعمل به الإنسان، وهو مما أمر اللّه تعالى به، أو نهى عنه، يعمل به لنفسه ومصلحته، ومن أساء العمل باجتراح السيئات والمنكرات، فعلى نفسه جنى، ثم تعودون أيها البشر إلى اللّه يوم القيامة، فتعرضون بأعمالكم عليه، فيجزيكم عليها خيرها وشرّها. ويلاحظ أنه تعالى عبّر عن مجيء العمل الصالح باللام، والإساءة بعلى.
وقوله: {ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} معناه: أنكم جميعا معشر الخلائق ترجعون إلى قضائه وحكمه. إن هذا البيان الإلهي أجمع بيان، وأوجزه، وأكثره عظة وعبرة، ومعذرة ونفعا، فجزاء العمل الصالح حقّ وعدل، وجزاء العمل السيئ حقّ وعدل أيضا، والميزان ميزان التمايز بالأعمال التي يفعلها الإنسان باختياره وإرادته، فيسأل عنها على النحو الصادر منه.
نعمة الشرائع:
الشريعة الإلهية: هي النظام الأمثل للحياة البشرية في جميع أنحائها ومشتملاتها، تحقق الحاجة والمصلحة، وترعى الضعيف، وتنصف المظلوم، وتقيم العدل، وتضمن للقائم بها عز الدنيا، وسعادة الآخرة، وكان لبني إسرائيل شريعة في التوراة، لكنها اندثرت وضاعت، واختلفوا فيها بغيا وعدوانا، ثم ختمت الشرائع بشريعة خاتم النبيين، ليلزم بها جميع الناس، فهي عين البصيرة والحق، والهداية، والرحمة الشاملة، وليس من المعقول، ولا من مقتضى العدالة أن يتساوى المحسن والمسيء، والصالح والفاجر، والسعيد والشقي. وهذا ما أوضحته الآيات الكريمة:

1 | 2